سورة الشمس - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشمس)


        


{وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)}
{وَقَدْ خَابَ مَن دساها} وتكرير قد فيه لإبراز الاعتناء بتحقيق مضمونه والإيذان بتعلق القسم به أصالة والتزكية التنمية والتدسية الإخفاء وأصل دسى دسس فأبدل من ثالث التماثلات ياء ثم أبدلت ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها وأطلق بعضهم فقال ابدل من ذلك حرف علة كما قالوافي تقضض تقضي ودسس مبالغة في دس عنى أخفى قال الشاعر:
ودسست عمرًا في التراب فأصبحت *** حلائله منه أرامل ضيعا
وفي الكشاف التزكية الإنماء والإعلاء والتدسية النقص والإخفاء أي لقد فاز بكل مطلوب ونجا من كل مكروه من أنمى نفسه وأعلاها بالتقوى علمًا وعملًا ولقد خسر من نقصها وأخفاها بالفجور جهلًا وفسوقًا وجوز أن تفسر التزكية بالتطهير من دنس الهيولى والتدسية بالإخفاء فيه والتلوث به وأيًا ما كان ففي الوعد والوعيد المذكورين مع إقسامه تعالى عليهما بما أقسم به مما يدل على العلم بوجوده تعالى ووجوب ذاته سبحانه وكمال صفاته عز وجل ويذكر عظائم آلائه وجلائله نعمائه جل وعلا من اللطف بعباده ما لا يخفى وقوله تعالى:


{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11)}
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} استئناف وارد لتقرير مضمون قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَن دساها} [الشمس: 10] وجعل الزمخشري قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ} إلخ تابعًا لقوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا} إلخ على سبيل الاستطراد وأبى أن يكون جواب القسم وجعل الجواب محذوفًا مدلولًا عليه بهذا كأنه قيل ليدمدمن الله تعالى على كفار مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما دمدم على ثمود لتكذيبهم صالحًا عليه السلام فقيل إن ذلك لما يلزم من حذف اللام وأنه لا يليق بالنظم المعجز أن يجعل أدنى الكمالين أعني التزكية لاختصاصها بالقوة العملية المقصود بالإقسام ويعرض عن أعلاهما أعني التحلية بالعقائد اليقينية التي هي لب الألباب وزبدة ما مخضته الأحقاب ولو سلم عدم الاختصاص فهي مقدمة التحلية في البابين وأما حذف المقسم عليه فكثير شائع لا سيما في الكتاب العزيز وتعقب بأن حذف اللام كثير لا سيما مع الطول وهو أسهل من حذف الجملة بتمامها وقد ذكره في {قد أفلح المؤمنون} [المرمنون: 1] فما حدا مما بدأ وأن التزكية مرادًا بها الإنماء لا اختصاص لها وليست مقدمة بل مقصودة بالذات ولو سلم فلا مانع من الاعتناء ببعض المقدمات أحيانًا لتوقف المقاصد عليها فتدبر وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قال في فألهما ألزمها وأخرجه الديلمي عن أنس مرفوعًا وعلى ذلك قال الواحدي وصاحب المطلع الإلهام أن يوقع في القلب التوفيق والخذلان فإذا أوقع سبحانه في قلب عبد شيئًا منهما فقد ألزمه سبحانه ذلك الشيء ويزيد ذلك قوة ما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود عن عمران بن حصين أن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم فقال عليه الصلاة والسلام لا بل شيء قضى عليهم ومضى فيهم وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7، 8] ولا يقتضي ذلك أن لا يكون لقدرة العبد واختياره مدخل في الفجور والتقوى بالكلية وإن قيل أن مآله إلى خلق الله تعالى إياهما ليقال يأباه حينئذٍ قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها} [الشمس: 9] إلخ حيث جعل فيه العبد فاعل التزكية بالتقوى والتدسية بالفجور لأن الإسناد يقتضي قيام المسند ويكفي فيه المدخلية المذكورة ولا يتوقف صحة الإسناد حقيقة إلى العبد على كون فعله الإيجاد فالاستدلال بهذا الإسناد على كونه متمكنًا من اختيار ما شاء من الفجور والتقوى وإيجاده إياه بقدرة مستقلة فيه على خلاف ما يقوله الجماعة ليس بشيء على أن الضمير المستتر في زكاها وكذا في دساها الله عز وجل والبارز لمن بتأويل النفس فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في ذلك يقول الله تعالى: قد أفلح من زكى الله تعالى نفسه فهداه وقد خاب من دسى الله تعالى نفسه فأضله بل أخرج عنه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها} الآية أفلحت نفس زكاها الله تعالى وخابت نفس خيبها الله تعالى من كل خير وأخرج الإمام أحمد وابن أبي شيبة ومسلم والنسائي عن زيد بن أرقم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها» وفي رواية الطبراني وغيره عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام إذا تلا هذه الآية وقف وقال ذلك ولهذه الأخبار ونحوها قال بعضهم: إن ذلك هو المرجح ورجحه صاحب الانتصاف بأن الضمائر في {والسماء وما بناها} [الشمس: 5] إلخ تكون عليه متسقة عائدة كلها إلى الله تعالى وبأن قوله تعالى: {قد أفلح من تزكى} [الأعلى: 14] أوفق به لأن تزكي مطاوع زكي فيكون المعنى قد أفلح من زكاه الله تعالى فتزكى ومع هذا كله لا ينبغي أن ينكر أن المعنى السابق هو السابق إلى الذهن وما ذكر من الأخبار ليس نصًا في تعيين المعنى الآخر نعم هو نص في تكذيب الزمخشري في زعمه أنه من تعكيس القدرية يعني بهم أهل السنة والجماعة فتأمل. والطغوي مصدر من الطغيان عنى تجاوز الحد في العصيان فصلوا بين الاسم والصفة في فعلي من بنات الياء بأن قلبوا الياء واوًا في الاسم وتركوا القلب في الصفة فقالوا في الصفة امرأة صديا وخزيا وفي الاسم تقوى وطغوى كذا في الكشاف وغيره وكلام الراغب يدل على أن طغى واوي ويائي حيث قال يقال: طغوت وطغيت طغوانًا وطغيانًا فلا تغفل. والباء عند الجمهور للسببية أي فعلت التكذيب بسبب طغيانها كما تقول ظلمني الخبيث بجرائته على الله تعالى وجعلها الزمخشري للاستعانة والأمر سهل وجوز أن تكون صلة للتكذيب على معنى كذبت بما أوعدت به في لسان نبيها من العذاب ذي الطغوى أي التجاوز عن الحد والزيادة ويوصف العذاب بالطغيان بهذا المعنى كما في وقوله تعالى: {فَأُهْلِكُواْ بالطاغية} [الحاقة: 5] وقد يوصف بالطغوى مبالغة كما يوصف بسائر المصادر لذلك فلا يكون هناك مضاف محذوف. وقرأ الحسن ومحمد بن كعب وحماد بن سلمة طغواها بضم الطاء وهو مصدر أيضًا كالرجعى والحسنى في المصادر إلا أنه قيل كان القياس الطغيا كالسقيا لأن فعلى بالضم لا يفرق فيه بين الاسم والصفة كأنهم شذوا فيه فقلبوا الياء واوًا وأنت تعلم أن الواو عند من يقول طغوت أصلية.


{إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12)}
{إِذِ انبعث} متعلق بكذبت أو بطغوى وانبعث مطاوع بعثه عنى أرسله والمراد إذ ذهب لعقر الناقة {أشقاها} أي أشقى ثمود وهو قدار بن سالف أو هو ومن تصدى معه لعقرها من الأشقياء اثنان على ما قال الفراء أو أكثر فإن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة يصلح للواحد والمتعدد والمذكر والمؤنث وفضل شقاوتهم على من عداهم لمباشرتهم العقر مع اشتراك الكل في الرضا به ولخبائث غير ذلك يعلمها الله تعالى فيهم هي فوق خبائث من عداهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5